أنت هنا

يعد الاتجار بالبشر جريمة خطيرة وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، إذ يمس الآلاف من الرجال والنساء والأطفال ممن يقعون فريسة في أيدي المتاجرين. في كل عام، يتم الإتجار بعشرات الآلاف من الأشخاص سواء في بلدانهم وخارجها، حيث تم تحديد 225,000 ناجي وناجية للاتجار بالبشر بين سنة 2003 و 2016 في جميع أنحاء العالم، وهذا الرقم مجرد غيض من فيض (التقرير العالمي بشأن مكافحة الاتجار بالأشخاص، 2018). كما أُستغل 38% منهم في العمل القسري، ولا تزال الناجيات من الإتجار بالبشر يشكلن المستهدفات الأساسيات؛ إذ تشكل النساء 46% والفتيات 19% من جميع ناجيات الاتجار بالبشر. 

 

بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، ينشر صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأردن قصة إحدى هؤلاء الناجيات من أجل تسليط الضوء على هذه الجريمة وإيصال أصوات الناجين. هذه القصة هي لسارة؛ امرأة ذات الـ 27 عاماً من أصول أوغندية، والتي قدمت إلى الأردن في عام 2017 من أجل إعالة وتحسين حياة عائلتها في وطنها، بل وأيضاً من أجل تحقيق حلمها في بدء تعليمها الجامعي، ولكن أخذت الأحلام مع السنين تتركّز حول النجاة.

عملت سارة منذ وصولها إلى الأردن كعاملة منزل في المنزل الخاص لصاحب مكتب الاستقدام الخاص بها لمدة تزيد عن سنتين ونصف. وطوال هذه الفترة، حُرمت سارة من مستحقاتها المادية، مُنعت أيضاً من استخدام هاتفها اذ كان صاحب العمل يقوم بتخبئته لمنعها من التواصل مع أهلها أو أي شخص لنجدتها، كما أنه حجز جواز سفرها وتهديدها للاستمرار بالعمل. لم تكن سوء المعاملة قادمة من طرف واحد فقط، بل قامت زوجة صاحب العمل وإجبارها على العمل لساعات طويلة من دون فترات راحة، ومن غير أي عطل، وكانت تشتمها وتضربها بإستمرار. 

ذات يوم، أُجبرت سارة على تصوير إعترافات لها وهي تقوم بمدح رب عملها قائلة أنها تتقاضى رواتبها أول بأول، وأن رب عملها من أفضل رؤساء العمل في العالم، في محاولة بائسة للدفاع المسبق عن أنفسهم ولتغطية آثار جرائمهم الوحشية. أخبرت سارة صاحب العمل وزوجته بأنها ترغب في العودة إلى موطنها وذلك لإنتهاء عقد عملها، لكنهم رفضوا ذلك بشكل مطلق وتحجج كلاهما بجائحة كوفيد-19 وإغلاق المطارات، حيث اجبروها على العمل.

سارة وهي تبحث عن نور الأمل: 

يوم من الأيام وبعد مرور سنين من اليأس والألم، استطاعت سارة بشراء هاتف صغير خفية عن صاحب العمل آملة أن تستطيع التحدث مع من يخلصها مما هي فيه. تواصلت سارة مع إحدى صديقاتها ذات أصول أوغندية في الأردن، والتي بدورها زودتها برقم هاتف مسؤولة المأوى العاملة في إحدى الشركاء المنفذين لصندوق الأمم المتحدة للسكان في الأردن وهو اتحاد المرأة الأردنية. إذ كانت تقدم لها الدعم النفسي بل وأيضاً الاستشارات من أجل مساعدتها على التخلص مما تواجهه. ذات يوم وبمساعدة مسؤولة المأوى، قامت سارة بجمع النفايات مخبرة زوجة صاحب العمل بأنها ستقوم بالتخلص منها، وعند فتح الباب لها، هرعت مسرعة إلى خارج المنزل بكيس ملابسها وهي حافية القدمين، أوقفت تكسي وركبت فيه والذي بدوره ساعدها بالهروب وبالتحديد عندما أدرك أنهم يلاحقونها. طلبت مسؤولة المأوى من سائق التكسي أن يحضرها إلى مبنى إتحاد المرأة الأردنية، حيث تم استقبالها وعلى وجهها ملامح التعب والخوف في مأوى للنساء المعنفات، وتم تقديم لها ملابس جديدة ونظيفة وتوفير الغذاء المناسب لها. 

"لم أعد أشعر بأنني لوحدي": تدخلات اتحاد المرأة الأردنية

في هذه الأثناء، عمل اتحاد المرأة الأردنية مع وحدة الإتجار بالبشر، إذ تم التأكيد من أنها ناجية من الإتجار بالبشر نظراً للانتهاكات التي تمت بحقها مثل (انتهاك حرية الحصول على الوثائق الرسمية الشخصية، العمل بالسخرة، منعها من التواصل مع اهلها، وحرمانها من كامل حقوقها العمالية سواء بالاجور او الاجازات، وعدم تقديم الرعاية الصحية والاقامة بظروف لا انسانية وتشغيلها بأكثر من مكان، وغيرها). تم تحويل القضية إلى المدًعي العام وأثناء ذلك بقيت سارة لمدة 5 أشهر في مأوى اتحاد المرأة الأردنية إذ كانت تتلقى كافة المساعدات التي بحاجة لها من جلسات دعم نفسي اجتماعي، تقديم الدعم الصحي، تنمية مهاراتها وتمكينها، تقديم الاستشارات القانونية، تقديم اللباس والغذاء والشراب، وتقديم الاستشارات القانونية ومتابعة قضيتها. 

غادرت سارة بعد ذلك المأوى وبناء على رغبتها، وأخذت تسكن في منزل صديقتها لتمارس بعض الأعمال الحرة من أجل جمع بعض المال لمساعدة أهلها لحين إنتهاء قضاياها. لليوم يتم التواصل مع سارة من أجل الإطمئنان عليها ويعمل الاتحاد على استمرار متابعة قضية سارة.