أنت هنا

 

تعد الاستقلالية الجسدية أمرا أساسيا بالنسبة لصندوق الأمم المتحدة للسكان، حيث يمكن أن تعيش جميع النساء والفتيات حياة صحية ومنتجة وكريمة وخالية من جميع أشكال التمييز والوصم والعنف. وتتمتع النساء والفتيات وحدهن في كل مكان بالحق في اتخاذ القرارات بشأن أجسادهن، وتشمل هذه القرارات ما إذا كانت ستصبح حاملاً ومتى. ويعني ذلك حرية الذهاب إلى الطبيب كلما دعت الحاجة، والحرية في شغل حيز في العالم دون إكراه أو تأثير.

 

يعد هذا الحق بعيدا كل البعد عن الواقع بالنسبة لمئات الملايين من النساء اللواتي يفتقرن إلى السيطرة على أجسادهن. وتُظهر مراجعة البيانات من 57 دولة أن امرأة واحدة فقط من بين كل امرأتين متمكنة من تقرير ما إذا كانت ستطلب الرعاية الصحية ومتى تطلبها، بما في ذلك خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، واستخدام وسائل تنظيم الأسرة، ومتى تمارس العلاقة الحميمية مع شريكها.

 

اعترافًا بالحرمان السائد من حق الفرد في التحكم في جسده دون التهديد بالإكراه أو التأثير الخارجي، فيما يلي الأسباب الرئيسية التي تجعل الاستقلالية الجسدية مفتاحًا لتحقيق المساواة بين الجنسين؛

 

الاستقلالية الجسدية هي حق من حقوق الإنسان

 

تعد الاستقلالية الجسدية الأساس الذي تستند إليه جميع حقوق الإنسان الأخرى. ومع ذلك، تواجه النساء والفتيات - وجميع الأشخاص قيودًا على استقلاليتهم الجسدية. وتشمل حقوق الإنسان للنساء والفتيات الحق في الكرامة والمساواة وإمكانية الحصول على المعلومات والاستقلالية والسلامة الجسدية واحترام حياتهن الخاصة والحصول على أعلى معايير الصحة، بما في ذلك الصحة الإنجابية والجنسية دون أي نوع من التمييز، وكذلك التحرر من أي معاملة لا إنسانية أو قاسية أو تعذيب.

 

يمكّن العالم النساء والفتيات من اتخاذ قرارات مستقلة بشأن أجسادهن ووظائفهن الإنجابية، والتي تعد الحق الجوهري الأساسي في المساواة والخصوصية، فيما يتعلق بالمسائل الحميمة للسلامة الجسدية والنفسية.

 

وصرحت الدكتورة منى فرهود، طبيبة نسائية من مركز الاستشارات الصحية - جمعية تنظيم الأسرة السورية لصندوق الأمم المتحدة للسكان قائلة: "يعد الاستغلال الجنسي والجسدي مفهومًا عميقًا وحساسًا يؤثر على كرامة الإنسان. وتعترف جميع القوانين الإلهية وجميع البلدان بالحق في السلامة الجسدية والحفاظ عليها من كل أشكال الاستغلال أو الأذى". وأضافت: "إن الجميع متفق على هذا، ولكن ما هي الاستقلالية الجسدية وهل يدرك الأشخاص هذا المفهوم حتى يتمكنوا من الدفاع عنه دفاعًا صحيحًا؟"

 

تقويض الممارسات الضارة لحقوق النساء والفتيات وحرياتهن

 

لكل فرد الحق في الزواج عن طريق الاختيار وفقط عندما يكون ناضجاً بما يكفي لمنح الموافقة الكاملة والحرّة والمستنيرة. ويعتبر زواج الأطفال والزواج القسري من بين العديد من الانتهاكات الأخرى القائمة وتُرتكب تحت غطاء الأعراف والممارسات وحتى القوانين، ومدفوعة بأوجه عدم المساواة المتأصلة بين الجنسين، مثل جرائم القتل دفاعًا عن الشرف والاغتصاب الزوجي وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) والإكراه الإنجابي واختبارات كشف العذرية.

 

لقد أعلت الأمم المتحدة صوتها مؤكدة أن اختبار كشف العذرية ينتهك حقوق الإنسان للأفراد وكرامتهم. وعندما يتم إجراؤه دون موافقة، يعتبر تعذيباً وشكلًا من أشكال العنف الجنسي. كما يعد عديم الجدوى علميًا وانتهاكًا لأخلاقيات مهنة الطب. ومع ذلك، لا يزال قائمًا في كل منطقة من مناطق العالم.

 

وصرح الدكتور أحمد بن نصر، وهو مناصر صريح لإنهاء اختبار كشف العذرية والاختبار الشرجي القسري في تونس، قائلًا: "تعد اختبارات كشف العذرية ممارسة شائعة في البيئة الطبية - أطباء العائلة وأطباء أمراض النساء وأطباء الأطفال. إن التقنيات المستخدمة غير مثبتة علميًا، وتشمل عمومًا فحص غشاء البكارة والفرج، وما يسمى بـ "الاختبار بإصبعين" - والذي ليس له أي أساس علمي أو طبي على الإطلاق."

يعد تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) انتهاكًا لحقوق الإنسان للنساء والفتيات وشكلًا متطرفًا من أشكال التمييز والعنف المقتصر حصريًا على الفتيات والنساء. كما أنه جزء من ممارسات ذكورية أوسع نطاقًا، متأصلة في أوجه عدم المساواة بين الجنسين وتهدف إلى السيطرة على الحياة الجنسية للنساء والفتيات وأجسادهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية.

 

تحرم هذه الممارسة النساء والفتيات من حقوقهن في: السلامة الجسدية والعقلية؛ والتحرر من العنف؛ والتمتع بأعلى مستوى صحي ممكن؛ والتحرر من التمييز بين الجنسين؛ والتحرر من التعذيب والمعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة، من بين أمور أخرى. ومع ذلك، تعيش أكثر من 200 مليون فتاة وامرأة مع عواقب تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (ختان الإناث)، وإن ما لا يقل عن 4 ملايين فتاة معرضات لخطر الخضوع لهذه الممارسة كل عام.

 

كيفية التمسك بالحق في الاستقلالية الجسدية

 

يمكننا، بل ويجب علينا، تحقيق الاستقلالية الجسدية للجميع. تتمثل الخطوة الأولى في توضيح المفهوم نفسه وتأكيده. فهناك كثير من الأشخاص لا يُدركون أن لهم الحقّ في اتخاذ قرارات بشأن أجسادهم ومستقبلهم.

 

التعليم عامل أساسي. فالنساء ممّن حُزنَ على مستوى تعليمٍ أعلى هنّ أقرب من غيرهن إلى اتخاذ قرارات حرة بخصوص وسائل تنظيم الأسرة والرعاية الصحية، وإلى امتلاك القدرة على رفض ممارسة العلاقة الحميمية. ويُعدّ التثقيف الجنسيّ الشامل – أي المعلومات الدقيقة والمناسبة للعُمر حول الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية للفرد – أمراً بالغ الأهمية، ذلك لأنّه يساعد على تجنب الحمل غير المقصود والأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي ويُتيح للأفراد سبل الدفاع عن أنفسهم. كما يُساهم التثقيف الجنسيّ الشامل في ترسيخ قِيَم الاحترام والموافقة والمساواة، وهي عناصر أساسية لتحقيق الاستقلالية الجسدية.

 

صرحت نبيلة حسين، قابلة من سوريا قائلة: "عادةً ما تخشى النساء والفتيات التحدث عن مشاكلهن، فهن خائفات من المجتمع لدرجة أنه قد يتم اغتصابهن أكثر من مرة ولا يزلن يرفضن الحديث."

 

يجب كذلك أن تصبح الأعراف الاجتماعية أكثر إنصافاً بين الجنسين. فالارتقاء بفُرص النساء وسبل كسب عيشهن وبأدوارهن القيادية في مجتمعهن وخارجه من شأنه أن يزيد قدرتهن على اتخاذ القرار داخل أسرهن وبخصوص أجسادهن. كما أن إحراز التقدم في هذا الشأن متوقف بالأساس على استعداد الرجال للتخلي عن أدوارهم المهيمنة التي تسبغ على سلطتهم وخياراتهم ميزةً على حساب سلطة المرأة وخياراتها.

 

ينهض مقدمو الخدمات الصحية بدور حاسمٍ في التمسك بالاستقلالية الجسدية وتأكيدها لكل مَن يلتمسون الرعاية والحصول على معلومات. ويجب أن يكون المرضى على دراية بحقوقهم، ويجب الحصول على موافقتهم القائمة عن عِلم. ويمكن للمبادئ التوجيهية الطبية والتدريبات على المتطلبات القانونية والتدريبات الخاصة بمراعاة الفوارق بين الجنسين أن تساعد مقدمي الرعاية الصحية في دعم الاستقلالية الجسدية للمرضى.

 

إنّ القوانين لها تأثير كبير على حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين والصحة الجنسية والإنجابية. ويجب أن تتواءم مع مبادئ حقوق الإنسان والتزاماتها المتفق عليها عالمياً، واستعراضها على نحو يراعي منظور النوع الاجتماعي وعدم التمييز. ويجب أن يكون القضاء والشرطة على دراية بهذه القوانين والمبادئ. وينبغي أن ترتكز القوانين إلى سياسات سليمة وتتطلّب الاستثمار لجعلها حقيقة واقعة.

 

تتبع التقدمُ المُحرَز من خلال بيانات موثوقة وكاملة، موزعة حسب المكان ومستوى الدخل والنوع والعُمر والعِرْق والمقدرة وغيرها من المتغيرات لتحديد أي الفئات والمجتمعات معرّضة لخطر الاستبعاد وتحتاج إلى دعمٍ إضافيّ. ويتوقف التغيير الهادف والمستدام على الشمولية، إذ يجب ألاّ يتخلّف أحد عن الركب.