نقطة تحول في معركة الأردن ضد فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز
في عام 1986 تم تسجيل أول حالة إصابة بالإيدز في الأردن، وعلى أثرها تم إنشاء البرنامج الوطني للإيدز في وزارة الصحة. كان تأثير البرنامج في البداية محدودًا، حيث كان يقتصر على تسجيل الحالات وإحالتها فقط. ولكن في عام 2004، حدث تحول كبير في البرنامج وذلك عندما حصلت وزارة الصحة على تمويل من الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز لمشروع جديد ضمن البرنامج الوطني لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، وتحت إدارة الدكتور عبد الله حناتلة، تقدم هذا البرنامج تقدماً ملحوظاً وكبيراً.
يتذكر الدكتور حناتلة: "منذ بدء المشروع، حقق البرنامج الوطني قفزة نوعية، وأصبح أكثر فعالية في برامج التوعية والتواصل والحماية". ووسع البرنامج جهوده لتشمل التثقيف والتوعوية، وبرامج الفحص، والعلاج، وكلها تهدف إلى الوصول إلى الفئات المستهدفة بشكل فعال.
ولكن وفي عام 2012، تم إيقاف المنحة بعد أن انتقلت الأردن إلى فئة الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى، مما جعلها غير مؤهلة للحصول على مزيد من التمويل. وعاد البرنامج الوطني إلى وضعه السابق المتمثل في تسجيل الحالات والإحالة فقط.
هذه الانتكاسة لم تضعف عزم الدكتور حناتلة، بل زادته إصرارًا. لأنه كان يعلم جيداً مدى التأثير الذي أحدثه المشروع، ويعلم أن هناك أرواحاً على المحك. في ذلك الوقت وبالتعاون مع زميلتيه نسرين السرحان وسحر الشمايلة قاموا بتأسيس منظمة غير ربحية، وهذه كانت لحظة ولادة مركز سواعد التغيير لتمكين المجتمع، والذي تم تمويله في البداية من جيوبهم الخاصة.
الوصول إلى الفئات المهمشة في الأردن
في بداية إنشاء مركز سواعد كانت جهود الحكومة ردة فعل فقط حيث تركز على إجراء الفحوص وتقديم العلاج ولكنها تهمل عنصر الوقاية، في حين ركز فريق الدكتور حناتلة نهجه لإعطاء الأولوية للتدابير الوقائية. فقاموا بتصميم برامج توعية تستهدف الفئات الضعيفة والمهمشة، بما في ذلك مجتمعات المثليين، ومدمني المخدرات، والعاملين في مجال الجنس. واتبع مركز سواعد نهجًا فريدًا يتمثل في استخدام تثقيف الأقران من هذه المجتمعات، لأن الأقران هم الأقدر على فهم تحديات أقرانهم وهم محل ثقة في مجتمعاتهم، وقد أثبت ها النهج فعالية كبيرة في الحد من حالات الإصابة الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.
يوضح الدكتور حناتلة: "إن جهودنا الوقائية تهدف إلى الحد من الحالات، فكل حالة نكتشفها ونصل إليها تؤكد على القيمة الكبيرة لجهودنا التوعوية، سواء في الأرواح أو في الموارد المالية".
ومع ذلك، فإن الظروف الاجتماعية الفريدة والحساسية المحيطة بهذه المجموعات تشكل تحديات كبيرة. يصف الدكتور حناتلة الموقف بأنه يشبه المشي في حقل من ألغام، مؤكداً على تعقيدات الوصول إلى المجتمعات المهمشة وإقامة شراكات فعالة معهم.
أتمنى أن نتوقف عن النظر إلى الحالات باعتبارها "أرقامًا" وأن نبدأ في النظر إليها باعتبارها أرواحًا بشرية
الدكتور عبدالله حناتله
خدمات تحدث فرقًا
يقدم مركز سواعد خدمات شاملة مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في الأردن. وتشمل هذه الخدمات إدارة الحالات ووضع خطط عمل مخصصة لمواجهة التحديات في الوصول إلى خدمات الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. كما يوسع مركز سواعد نطاق الوصول إلى جمهوره المستهدف من خلال استخدام منصات التواصل الاجتماعي والزيارات الميدانية، مؤكدًا على أهمية الصحة الإنجابية والحقوق الجنسية في المجتمعات المستهدفة.
بالتعاون مع وزارة الصحة وصندوق الأمم المتحدة للسكان في الأردن وإدارة مكافحة المخدرات والمنظمات غير الحكومية المحلية، يقدم مركز سواعد حزمة كاملة من الخدمات. وتشمل هذه الخدمات الاستشارة الطوعية وإجراء الفحوصات وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي وخطًا ساخنًا وتقديم المساعدة النقدية في حالات الطوارئ والمتابعة المستمرة والرعاية اللاحقة والزيارات المنزلية والاستشارات القانونية وإنشاء مساحة آمنة وتنفيذ حملات إعلامية وتوعوية والشراكات مع المتخصصين الطبيين. وتشكل هذه الخدمات مجتمعة جوهر مهمة مركز سواعد لدعم وتمكين المتضررين من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز في الأردن.
الطريق قُدماً
يقول الدكتور الحناتلة: "عندما أسسنا مركز سواعد، قمنا في البداية بتمويله من جيوبنا الخاصة"، وأضاف: “في تلك الفترة، كان أقصى أملي أن يستمر المركز في عمله لمدة ثلاث سنوات قادمة وكنت أعتقد في حينها أن ذلك سيكون إنجازًا كبيرًا".
اليوم، وبعد مرور 11 عامًا، أصبح مركز سواعد المنظمة غير الحكومية الوحيدة في الأردن المخصصة للتعامل مع فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، حيث يقدم المركز الدعم والمعلومات. بل ويمتد تأثير مركز سواعد إلى ما هو أبعد من الحدود الوطنية، حيث يقدم تقارير الظل للمؤسسات العالمية لحقوق الإنسان ويدافع عن حقوق المتضررين من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز على الصعيد الدولي. ويجري مركز سواعد سنويًا ما يقرب من 3000 اختبار فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز وهو مسؤول عن تشخيص ما يقرب من 40٪ من حالات فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز المسجلة في الأردن.
وعن رؤيته يتمنى الدكتور حناتلة أن يصل مركز سواعد إلى مرحلة يتمكن فيها من تقديم الخدمات الشاملة لرعاية المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز تحت سقف واحد. ويشمل هذا النموذج الريادي توفير الأدوية والاستشارة وحملات التوعية. وذلك بهدف تمكين الأفراد من الوصول إلى هذه الخدمات الشاملة بأقصى قدر من الخصوصية، والتخلص من الوصمة التي غالبًا ما تحيط بالمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.
المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية غالبًا ما يكونون أقرب إلينا مما نتصور، ولكن الوصمة والخوف من الحكم عليهم يمنعان الكثيرين من الكشف عن إصابتهم. وتتمثل مهمة مركز سواعد في تقديم الدعم الطبي وإنشاء مجتمع حيث يمكن للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية العيش دون خوف أو تحيز.
قصة عمرو*
تم تشخيص عمرو، البالغ من العمر 28 عامًا، بفيروس نقص المناعة البشرية في عام 2023 وذلك بعد زيارة لمركز سواعد. وفي تأمله لتجربته، قال: "قبل عام، كانت حياتي طبيعية. كنت مليئًا بالحياة، وأحب الناس، وأثق بهم. ولكن بعد تشخيصي بفيروس نقص المناعة البشرية، تحول العالم إلى ظلام في وجهي. لم أكن أعي ما يجري لي ولا أستطيع أن أتذكر ما حدث لي في ذلك اليوم".
ويضيف عمرو: "لقد فقدت شغفي بالحياة وشعرت وكأن ظهري قد انكسر. كنت في حالة انهيار كامل، لكن فريق مركز سواعد احتواني. كانوا عائلتي، وأجروا لي فحوصات شاملة وغطوا جميع التكاليف".
وأما عن حلمه فقال: "أتمنى أن ينتهي هذا المرض من العالم حتى لا يصاب به أحد، لأنه يؤذي الشخص المصاب نفسيًا بطريقة مروعة".
وفي رسالة إلى المجتمع حث عمرو الناس على عدم الخوف من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. "فهم مثلكم تماماً، لا ترفضوهم؛ فهم بحاجة إلى وقوفكم بجانبهم، كما إن دعمكم يعني الكثير بالنسبة لهم".
تغيير النظرة المجتمعية للمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية
يقول الدكتور حناتلة: "أتمنى أن نتوقف عن النظر إلى الحالات باعتبارها "أرقامًا" وأن نبدأ في النظر إليها باعتبارها أرواحًا بشرية". ويهدف مركز سواعد إلى تعزيز الفهم والتعاطف، وتغيير نظرة المجتمع تجاه فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.
ويعتبر الدكتور حناتلة مركز سواعد رائدًا في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز في الأردن، لأنه يمهد الطريق لمجتمع أكثر شمولًا وقبولاً وتعاطفًا للمصابين. إن نهج المركز الشامل وتفاني العاملين فيه ينقذ الأرواح ويغير مشهد رعاية المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، من خلال تقديم العلاج بعناية واحترام وتعاطف. ومن خلال عملهم، يأملون في بناء مستقبل لا يعود فيه فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز مصدرًا للخوف والتمييز، بل يتم النظر إليه باعتباره تحدياً صحيًا يتم التعامل معه بكرامة.
*تم تغيير الاسم لحماية هويته.