يقال أن المرأة نصف المجتمع، أو أنها أنها كشجرة صفصاف تلقي بظلالها على من حولها، أي أنها تحميهم وتمنع عنهم الأذى. وقد وضعت المنظمات الدولية المعنية بحقوق المرأة موضوع النوع الاجتماعي على رأس أولوياتها ليس فقط دفاعا عن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات، إنما أيضا كوسيلة لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي. وقد ربط المجتمع الدولي، متمثلا بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بين وجود المرأة في المفاوضات وبين صنع السلام، فركز على ضرورة أن تكون النساء جزءا من أي عملية مفاوضات في بلد متأزم، وذلك لقدرتهن على تقديم حلول أكثر مرونة وأقرب إلى الواقع، وهو ما أظهرته العديد من الدراسات في مجال علم النفس وعلم المجتمع.
لكن ما تزال هناك حلقة مفقودة بين الاعتراف الدولي بقدرة المرأة على المساهمة المباشرة في صنع القرار وصنع السلام، وبين إعطائها الفرصة الفعلية لتحقيق ذلك. إذ أن الفرصة كثيرا ما تسلب منها، خصوصا في منطقة البلاد العربية، بسبب قوانين تحد من حركتها ورؤى مجتمعية تسعى لابقاء المرأة في قالب ضيق لدورها الأسري والمجتمعي والانساني.
المساواة بين الرجل والمرأة حق من حقوق الإنسان، وجزء من العمود الفقري لعملية نمو البلد والاقتصاد والمجتمع بحسب المعايير الدولية وبحسب أهداف التنمية المستدامة كما صاغها المجتمع الدولي وتعهدت بها جميع هيئات الأمم المتحدة، لا سيما تلك الهيئات المعنية بوضع المرأة ومن ضمنها صندوق الأمم المتحدة للسكان. بل ما هو اكثر من ذلك في أوضاع اليوم المليئة بالحروب والنزاعات والتشوهات في التركيب السكاني، لقد شاهدت بعض التجمعات السكانية والقرى (كما في سوريا على سبيل المثال)، فيها نساء واطفال وشيوخ مما ألقى بمسؤوليات جسيمة على المرأة وحملها فوق طاقتها مما يستدعي تقديم العون لها للتعامل مع الاوضاع الجديدة الناشئة.
بالنسبة لنا، في صندوق السكان، ما زال الطريق طويلا ومليئا بالتحديات، فتمكين المرأة من ممارسة حقها في تقرير ما يتعلق بحياتها، بما في ذلك قرارالزواج والإنجاب والمباعدة بين الأطفال حين تقرر أنها تريد إنجابهم. أن تمنح لها الفرصة بان يكون كل حمل مرغوبا فيه وكل ولادة آمنة. وهنا تبدأ الحكاية، فما هو العمر المناسب للزواج؟ وكيف نوازي بين الممارسات المجتمعية التي تشجع عموما على الزواج المبكر وبين المعايير الدولية التي تعتبر زواج الأطفال، والطفلات خصوصا، أي من هم دون سن الثامنة عشر، تعتبره ممارسة ضارة بالصحة وبالنفسية؟
لنأخذ مثال شكرية، الطفلة اليمنية التي تم تزويجها حين أتمت عامها التاسع، فتخلفت عن المدرسة ودخلت في دوامة الحمل المتكرر والولادات العديدة وأثر ذلك على صحتها، فمن المؤكد طبيا أن للحمل المبكر والمتكرر آثار قد تكون قاتلة على صحة الطفلة-الأم، ومن المؤكد أن تخلف الفتيات عن الدراسة وعن تحقيق ذاتهن في المجال المهني له تأثير مباشر على التقدم الاقتصادي في البلد برمته. والمعادلة سهلة، فدون تعليم كيف يتحقق التقدم المهني؟ دون تعليم، كيف يتقدم المجتمع؟ ألم نقل أن الأم مدرسة؟ أي مدرسة تكون الأم إن تركت هي نفسها مقاعد الدراسة قبل أن تكمل حتى المدرسة الإبتدائية؟
من حين حظ شكرية أنها استطاعت، بعد خمسة وعشرين سنة، من العودة إلى الكتاب والقلم واستكمال دراستها وها هي الآن، بعد طلاقها وقد شارفت على الأربعين، تترفع إلى السنة الثانية في كلية الحقوق حيث تدرس القانون. لكننا حين نسأل شكرية عن حياتها، تجيب دون تردد أنها تحب كل طفل من أطفالها العشرة حبا جما، لكن لو كان القرار في يدها ولو عاد بها الزمن إلى حيث تستطيع إعلاء صوتها على صوت العائلة والعرف والمجتمع، فهي لن تتزوج مبكرا وقطعا لن تنجب هذا العدد الكبير من الأطفال.
يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على تفعيل فكرة القرار الواعي فيما يتعلق بالإنجاب، ويعمل على نشر المعلومات حول مخاطر الزواج المبكر وأهمية التخطيط الواقعي لعدد الأطفال في العائلة. هذه ليست دعوة إلى عدم الإنجاب، فذلك يكون مخالفا أصلا لحق المرأة في تقرير ما تريد، إنما هذه دعوة لتمكين المرأة من أن تتخذ قرارات تصب في مصلحتها وفي مصلحة المجتمع. تعليم المرأة وحثها على لعب دور تملك فيه نصف المساحة في المجتمع وفي حقل العمل هو عماد مساواتها بالرجل في المجال الخاص والعام. لكن حين نتذكر أن ثلث البنات في العالم يتزوجن قبل سن الخامسة عشر، فإننا نعرف أن فرصتهن في احتلال نصف المساحة في المجتمع والعمل أصلا قد تضاءلت بفعل ارتباطهن بمسؤوليات البيت وغالبا الأطفال، وفي ذلك إذا أثر مباشر على اقتصاد البلد برمته: فلو نصف المجتمع مساهم في الاقتصاد بشكل فعال، لازدهر الاقتصاد بشكل ملحوظ.
في اليوم العالمي للمرأة، ينادي صندوق الأمم المتحدة للسكان باحترام حق أساسي من حقوق المرأة: أن يكون لديها المعلومات الكافية لتقرر إن كانت تريد أطفالا وأن تقرر كم طفل تريد أن تنجب، تماشيا مع رغبتها ومع حالتها الصحية. إن كانت المرأة شجرة صفصاف، فلتكن شجرة قوية صحتها جيدة حتى تستطيع فعلا أن تظلل على من حولها بدل أن تتساقط غصونها بفعل ضعفها وتآكل جذعها بسبب ثقل حملها.
*د. لؤي شبانه هو مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان للمنطقة العربية