لأن كل شخص مهم وحتى لا يتخلف أحد عن الركب
على الرغم من المستوى المتقدم من خدمات الرعاية الصحية الموجود في الأردن سواء على المستويين العام والخاص إلا أن هناك بعض المناطق النائية المنتشرة في مختلف أرجاء البلاد التي تعاني من ضعف في تقديم خدمات الرعاية الصحية وخاصة فيما يتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية، وجاءت جائحة كوفيد-19 في عام 2020 لتعمق وتزيد من هذه الفجوة في تقديم خدمات الرعاية الصحية بالذات للفئات الأكثر هشاشة من ذوي الدخل المتدني ومن غير المشمولين في التأمين الصحي واللاجئين وغير الأردنيين.
ومن هنا جاءت فكرة دعم هذه العيادة الصحية المتنقلة وذلك إيماناً من صندوق الأمم المتحدة للسكان بدورها المحوري في تعزيز قدرة المؤسسات الوطنية على تقديم معلومات وخدمات متكاملة الجودة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك مراقبة وفيات الأمهات والاستجابة لها سواء في السياقات الإنسانية أو الإنمائية.
وفي آذار 2020 أعلنت منظمة الصحة العالمية كوفيد-19 جائحة عالمية. وفي الوقت الذي تكافح فيه جميع البلدان للاستجابة للانتشار السريع لهذا المرض، حيث يشكل الوباء تهديدًا خطيرًا بشكل خاص في الأزمات الإنسانية الحالية، ويهدد بدفع الأوضاع الهشة اصلاً إلى أزمات جديدة. وقد أبدت وزارة الصحة الأردنية التزامها القوي بتحقيق القدرات الأساسية المشتركة في الاستجابة للجائحة، ولكن وبالرغم من ذلك إلا أنه لوحظ وجود تأثير كبير للوباء على الصحة الجنسية والإنجابية.
وجاءت البداية عام 2019 عندما قام صندوق الأمم المتحدة للسكان بتأسيس مجموعة مميزة من الشركاء الوطنيين الرئيسيين لتعزيز تقديم الخدمات الصحية الصديقة للمرأة بهدف تحسين خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الشاملة عالية الجودة وتطوير المعايير.
تم تشغيل هذه العيادة الصحية المتنقلة استجابةً للتقييمات المتعددة التي أجرتها المنظمات الشريكة حول تأثير كوفيد-19على إمكانية الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية حيث صمم صندوق الأمم المتحدة للسكان بالشراكة مع المركز الوطني للعناية بصحة المرأة في الأردن تدخلًا مبتكرًا للعيادات الصحية المتنقلة من أجل الاستجابة للفجوة في خدمات الصحة الجنسية والإنجابية المقدمة في المناطق النائية. تعمل العيادات المتنقلة كنموذج لتقديم الرعاية الصحية المصمم خصيصًا لتلبية احتياجات النساء والأمهات الأكثر هشاشة في المناطق النائية في سبع محافظات. حيث تستخدم العيادات المتنقلة نموذجاً لوحدات الرعاية الصحية المتنقلة التي تمكن من توفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية المجتمعية التي تركز على رعاية ما قبل الولادة وما بعد الولادة والفحوصات المخبرية وخدمات تنظيم الأسرة التي تستهدف السكان الذين لا يتلقون خدمات كافية والتي قد يصعب الوصول إليها في مناطقهم. حيث تمكن صندوق الأمم المتحدة للسكان من خلال العيادات المتنقلة من الوصول إلى 23766 امرأة على الأقل بإجمالي 42427 خدمة متكاملة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك تقديم أكثر من 15610 خدمات استشارية حول تنظيم الأسرة.
"في الوقت الذي نسعى فيه جاهدين لنحقق فيه صفراً لوفيات الأمهات التي يمكن الوقاية منها ولتلبية الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة بحلول عام 2030 ـ فإننا وفي الوقت نفسه ملتزمون بمواصلة الدعم لشركائنا على الصعيد الوطني لتحسين الصحة ورفاه الأمهات وأطفالهن حيثما كانوا ".
انشراح أحمد، مديرة مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأردن
وأضافت: "إن مسؤوليتنا الجماعية هي ضمان حصول الجميع، بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً والأقل حظاً والمحرومين من الخدمة ـ على حقوق الصحة الجنسية والإنجابية عالية الجودة والتي تركز على الناس بما يشمل الخدمات والمعلومات. لا ينبغي ترك أي شخص وراء الركب ".
وتتكون العيادة المتنقلة المجهزة طبياً من أطباء يقدمون خدمات الصحة الإنجابية، إضافة إلى إجراء اختبارات الحمل، وتقديم الرعاية لما قبل الولادة وبعدها، وإجراء فحوصات الأمراض النسائية، وفحص الأمراض المنقولة جنسياً، وتقديم خدمات التوعية والتثقيف الصحي، وتقديم مستلزمات تنظيم الأسرة، والإحالة إلى الخدمات الصحية والاجتماعية.
محمد العودات، منسق ميداني - صندوق الأمم المتحدة للسكان، قال بأن العيادة تقدم العديد من الخدمات الصحية التي تشمل عيادة النسائية والكشف المبكر عن سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم وفحص الكشف المبكر عن هشاشة العظام والفحوصات المخبرية المنوعة التي تشمل فحص فقر الدم.
وأوضح العودات بأن ما يميز هذ العيادة هو أنها تقدم خدماتها للجميع دون استثناء سواء كانوا مشمولين بالتأمين الصحي أم لا وسواء كانوا أردنيين أم غير أردنيين.
العيادة التي بدأت عملها مع بداية تموز 2020 تقدم خدماتها في المناطق النائية في مختلف محافظات المملكة في كل من إربد والطفيلة والكرك ومعان والعقبة والشوبك ووادي موسى ومادبا وذلك من خلال التعاون مع المؤسسات الحكومية والجمعيات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني في تلك المناطق النائية. ويتم التركيز في العيادات المتنقلة على تقديم الخدمات الصحية للفئات السكانية الأكثر هشاشة، مثل الأفراد ذوي الدخل المتدني أو الأفراد غير المشمولين بالتأمين الصحي واللاجئين سواء في المدن أو الأرياف أو المناطق النائية وذلك بالشراكة مع المستشفيات وأنظمة الرعاية الصحية وإدارات الصحة العامة لإحالة النساء اللاتي يرغبن أو بحاجة للحصول على خدمات متقدمة.
خالد الزوايدة، متطوع في مركز الأميرة بسمة وأحد الأشخاص ذوي الإعاقة ومن المراجعين للعيادة في منطقة الديسة، أفاد بأن العيادات الصحية المتنقلة مهمة للجميع سواء النساء أو الرجال أو حتى الأطفال حيث أنها تقدم العديد من الخدمات. وقال بأن أهمية هذا النوع من العيادات تكمن في قدرتها على الوصول إلى الأماكن النائية والتي لا تتوفر فيها هذه الخدمات الصحية، وبالتالي يضطر قاطنوها إلى التوجه إلى أقرب الأماكن التي تتوفر فيها هذه الخدمات والتي تبعد أحيانا عشرات الكيلومترات وبالتالي فإن الوصول إلى مراكز الخدمة لا يعتبر أمراً سهلاً.
وأضاف بأنه وباعتباره أحد الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن ذلك قد أضاف عبئاً كبيرا وخلق مشكلة جديدة تجعل من المتعذر عليه الوصول إلى المراكز الصحية خارج حدود منطقته وذلك لصعوبة المواصلات من ناحية ولوضعه الخاص من ناحية أخرى؛ حيث يتوفر باص واحد لنقل الركاب من منطقة الديسة إلى محافظة العقبة التي تبعد 70 كيلومتراً والذي يغادر الساعة السابعة صباحاً ويعود الساعة السابعة مساءاً، وباعتباره شخص ذو إعاقة فإنه يحتاج إلى وسيلة مواصلات خاصة لمراجعة المراكز الصحية في العقبة.
وقال: أتمنى أن أرى المزيد من الخدمات التي يتم تقديمها في هذه العيادات المتنقلة مثل عيادات الأسنان، إضافة إلى الخدمات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة مثل العلاج الطبيعي.
تسنيم المغربي مشرفة الحملات الطبية – المركز الوطني للعناية بصحة المرأة قالت بأن الأعداد المستفيدة من خدمات العيادة في تزايد مستمر وأنهم يصلون في كل مرة إلى مواقع جديدة حسب الطلب والحاجة. وأوضحت أن أعداد المستفيدين من خدمات العيادة خلال الربع الثالث من عام 2020 أي خلال الأشهر تموز وآب وأيلول قد وصلت إلى 710 مراجعة لعيادة النسائية، كما استفادت 6000 امرأة من استشارات تنظيم الأسرة وطرق تنظيم الأسرة المجانية، وأجري 1178 فحص مخبري منوع و 827 فحص للكشف المبكر عن هشاشة العظام، ويتوقع أن تكون الأعداد مقاربة لذلك خلال الربع الرابع من هذا العام حيث قمنا بحوالي 24 زيارة ميدانية وصلنا من خلالها إلى 19 منطقة نائية.
وما أن تصل العيادة إلى المنطقة المقصودة حتى يتحول فريق العمل إلى خلية من العمل الدؤوب والجاد من تجهيز العيادة لاستقبال المراجعين وكل واحد من الفريق يعرف الدور المطلوب منه ويتم تنفيذ ذلك بكل حرفية ومهنية وفي أقصر وقت ممكن حتى تتمكن العيادة من تقديم الخدمات لأكبر عدد ممكن من المستفيدين ولا تغادر العياد الموقع إلا بعد التأكد من تلقي آخر المراجعين للخدمات الصحية اللازمة.
الدكتورة آلاء الحنيفات، أخصائية النسائية والتوليد قالت بأن العيادة المتنقلة تحتوي على جهاز ألتراساوند متطور لإجراء فحوصات الحمل، حيث يتم إجراء الفحوصات وتقديم العلاجات المطلوبة إضافة إلى تقديم المشورة الطبية فيما يتعلق بتنظيم الحمل. وقالت بأن تعزيز الوعي لدى المراجعات بالقضايا المتعلقة بصحتهن الجنسية والإنجابية تأتي على قدم المساواة من حيث الأهمية مع الخدمات الصحية التي تقدمها العيادة. وقالت بأنها وخلال عملها في العيادة واجهت بعض الحالات التي كانت تستدعي الإحالة إلى خدمات صحية متقدمة، وتذكر منها على سبيل المثال إحدى المراجعات التي كانت تستخدم اللولب كوسيلة لتنظيم الحمل، وأثناء الكشف عليها تبين أنها لم تراجع أي طبيبة نسائية بعد تركيب اللولب منذ سنتين، وكان اللولب قد تسبب بثقب في عنق الرحم لديها مما استدعى إحالتها إلى إحدى المستشفيات.
رهيمة سلامة، مراجعة للعيادة في منطقة الريشة، جنوب الأردن قالت بأنها قد حضرت إلى العيادة بعد أن عرفت عن قدومها إلى منطقتها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي حيث راجعت عيادة النسائية وعيادة العيون وأجرت فحص الهشاشة إضافة إلى بعض الفحوصات المخبرية.
وأضافت بأن وجود العيادة في منطقتها وفر عليها الكثير من الوقت والجهد؛ إذ لولا ذلك لكانت مضطرة للذهاب إلى محافظة العقبة التي تبعد عنهم حوالي 80 كيلومتراً من أجل تلقي الخدمات الصحية. وأن القيام بذلك يعني أنها ستقضي يوماً كاملاً في الذهاب والعودة وتلقي الخدمة، ناهيك عن بعض التحديات المصاحبة لذلك من حيث تأمين أولادها الصغار عند أحد المعارف أو الجيران للعناية بهم إلى حين عودتها. وتمنت أن تتكرر زيارات العيادة إلى منطقتهم إلى أكثر من مرة في الشهر.