بعد نفاذ المال، بدأت الشتائم تنهال.
"لقد أهانني وشتمني"، تقول فاطمة اللاجئة السورية ذات الـ ٤٢ عاما، وهي تمسح دموعها، وتضيف: "عندما كنا في سوريا، لم يكن يعاملني بهذه الطريقة".
لقد فرت فاطمة من التفجيرات والقصف في ديارها في ديسمبر / كانون الأول لعام ٢٠١٢ مع زوجها وأطفال زوجها الخمسة من زواجه السابق. لكن، بعد وصولها إلى الأردن، بدأت مصاعبها تزداد. حيث أصبح زوجها يسيء معاملتها، وكثيراً ما كانت تقضي لياليها في البكاء جراء تلك الإهانات.
بلا شك أن حياة اللجوء يشوبها الكثير من المصاعب، لكن كان على فاطمة التكيف مع بيئتها الجديدة في مخيم الزعتري كغيرها من اللاجئين. إلا أن الوضع أصبح أصعب عندما أدركت أنها حامل في شهرها الثالث وخاصة أنها كانت تعاني من غثيان الصباح المرافق للحمل.
خلال الأشهر القليلة الأولى، اقتاتت عائلة فاطمة على العدس والبرغل فلم يكن بإمكانهم حتى شراء الخضار البسيطة كالخيار أو البندورة الموجودة في كل بيت. ولكن ذلك لم يكن ما يؤرقها، بل كانت الإساءة النفسية هي التي جعلت حياتها بائسة.
تقول فاطمة: "لقد كان يهينني حتى أمام ضيوفي في البيت لإثبات رجولته. كثيراً ما قال لي إنك امرأة، أنت لا شيء. وكانت إساءاته تشعرني بالضعف وكنت أبكي كل يوم". وحتى عندما كبرت عائلتنا، لم يتغير الوضع أبدًا.
من أجل تفادي غضب زوجها، اضطرت فاطمة إلى بيع قسائم حصصها الغذائية الإلكترونية بسعر أقل من السوق من أجل شراء السجائر له، بدلاً من إنفاق مستحقاتهم الشهرية على الضروريات الأساسية لأطفالها الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وثماني سنوات. قالت:
إنه يدخن باكيت سجائر في اليوم بينما يمكن إنفاق هذا المال على إطعامنا. ويعيش حاليا أولاد زوجها البالغين في كرفان مستقل ولديهم حصصهم الغذائية الخاصة بهم.
لا تزال اللاجئات مثل فاطمة، اللواتي أُجبرن على الخروج من ديارهن وهجّرن نتيجة الحرب، عرضة أكبر للعنف المبني على النوع الاجتماعي. إذ أن ٨٨٪ من الحوادث المبلغ عنها ارتكبها شريك حميم أو شخص معروف لدى الناجية، وذلك بحسب آخر تقرير صدر عن فريق العمل الأردني المعني بنظام إدارة معلومات العنف المبني على النوع الاجتماعي الذي تم نشره من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان وشركائه في عام ٢٠٢٠.
ويشير التقرير أيضاً إلى أن الإساءة النفسية هي الشكل الأكثر شيوعًا للعنف المبني على النوع الاجتماعي والذي تواجهه ٩٥ ٪ من الناجيات، بمن فيهم النساء اللاجئات السوريات في مخيم الزعتري. ومع أن الجروح أو الإصابات الجسدية قد لا تكون بارزة، فإن النساء المعفنات قد يعانين نفسيا من تدني احترام الذات والقلق والاكتئاب.
وعندما حاولت فاطمة الدفاع عن نفسها، أصبح زوجها أكثر تعسفًا. وتقول فاطمة: "عندما أخبرته أنني أريد أن أتركه وأذهب عند أهلي، قال لي إنه لا يمكنني أخذ الأطفال معي".
الطريق نحو التعافي
شعرت فاطمة بأنها محاصرة في حياة لا تريدها، ولكن الوضع تغير بعد أن شجعتها صديقاتها في المخيم، فقد كنّ على دراية بمحنتها، وأشرن عليها طلب المساعدة المتواجدة في إحدى المساحات الآمنة للنساء والفتيات التي يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان في المخيم.
توفر هذه المساحات التي يديرها معهد العناية بصحة الأسرة / مؤسسة نور الحسين جلسات إدارة حالة، وجلسات الدعم النفسي واجتماعي، وإحالة إلى خدمات مختلفة منها الخدمات القانونية وخدمات الصحة الإنجابية والجنسية وغيرها، بالإضافة إلى الأنشطة المدرة للدخل والأنشطة الفنية والتمكينية. وتعتبر هذه الخدمات ضرورية للنساء في رحلة الشفاء. ففي عام ٢٠٢٠، استفادت نحو ٥٨،٩٦٣ امرأة من جميع أنواع الخدمات المقدمة في تلك المساحات.
وتوضح فاطمة: "تعلمت في المساحة عن العنف ضد المرأة وعن التحرش الجنسي. وقد اشتكيت للأخصائية النفسية من الإساءة وطمأنتني بأن كل ما أقوله لها سوف يبقى طي الكتمان. وسرعان ما شعرت بتحسن بعد بضع جلسات، وتغيرت شخصيتي نحو الأفضل فأصبحت أقوى وعزمت أن أكون مستقلة".
وفي هذا المكان، وجدت الراحة أيضًا عندما شاركت في أنشطة غزل الصوف مع نساء أخريات تعرضن للعنف المبني على النوع الاجتماعي.
تقول رشا أبو خضرة، مديرة الحالة، والتي تعمل في معهد العناية بصحة الأسرة: "إن العديد من النساء يعانين من العزلة بسبب العنف الذي يمارسه أزواجهن". وتضيف: "عندما يجتمعن ويغزلن الصوف، يتشاركن القصص، يدركن أنهن لسن لوحدهن. وقد ساعدتهن جلسات الدعم النفسي والاجتماعي على استعادة ثقتهن بأنفسهن وتعزيز احترامهن لذاتهن. كما تتلقى النساء جلسات تفريغ عاطفي وتقنيات استرخاء تساعدهن على التعامل مع التوتر".
وكجزء من الأنشطة المدرة للدخل التي يقدمها المعهد لمساعدة النساء على تحقيق الاكتفاء الذاتي، تعلمت فاطمة طريقة صنع العطور والصابون اليدوي. وكانت هذه الأنشطة عبارة عن مصدر إلهام لها لإنشاء مشروعها الخاص، وهو بيع المخللات ومنتجات الألبان والمربيات. ولدى فاطمة الآن صفحتها الخاصة على الفيسبوك لاستقبال الطلبات.
تنفق فاطمة الأموال التي تكسبها على الأدوية لابنها البكر الذي يعاني من التغوط اللاإرادي والتلعثم، الأمر الذي ازداد سوءًا بسبب التنمر الذي يتعرض له في المدرسة.
وتقول فاطمة: "لقد تعرض ابني للتنمر لأنه يرتدي الحفاضات. لكن بفضل الجلسات التي تلقيتها تعلمت كيفية التعامل مع حالته وتقديم الدعم له، وقد انعكس ذلك عليه بصورة إيجابية ولم يعد ينزعج من الأمر. لقد تعلم أن يقول إن هذا مرض ولا أستطيع السيطرة عليه".
بفضل معهد العناية بصحة الأسرة، تلقى ابنها جلسات علاج النطق وتم تحويله إلى منظمة أخرى في المخيم لدعم حماية الطفل.
###########
يعتبر معهد العناية بصحة الأسرة الشريك المنفذ لصندوق الأمم المتحدة للسكان مكتب الأردن، والذي يعمل على إدامة خدمات العنف المبني على النوع الاجتماعي مخيم الزعتري للصحة الإنجابية.
وتستمر هذه الخدمات بمنحة كريمة من منظمة مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية (الإيكو) الذي يدعم بدوره كل من العيادة، والأماكن الآمنة للنساء والفتيات في مخيم الزعتري.