أنت هنا

في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، سنصبح عالمًا يسكنه ثماني مليارات نسمة.

إنه حقًا لأمر يمثل علامة فارقة في تاريخ البشرية ومدعاة لاحتفالنا، غير أنه يعد أيضًا بمثابة فرصة للتفكير والتدبر؛ كيف لنا أن نضمن عالمًا يمكننا أن ننمو ونزدهر فيه جميعًا، نحن البشر كافة، الثماني مليارات إنسان؟

إن هذا النمو في عدد السكان إنما هو دليل على ما حققته البشرية من إنجازات، ومنها الحد من الفقر وعدم المساواة بين الجنسين، والتقدم في مجال الرعاية الصحية، وزيادة فرص الحصول على التعليم. وقد أدى ذلك بدوره إلى نجاة عدد أكبر من النساء بعد الولادة وزيادة أعداد الأطفال ممن استمروا على قيد الحياة وصمدوا في سنواتهم الأولى وعاشوا عمراً أطول وتمتعوا بصحة أفضل، عقدًا بعد عقد.

ففي المنطقة العربية وصل عدد السكان إلى 453,457 نسمة في 2022، وهو ما يمثل 5.6٪ من سكان العالم. ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد خلال السنوات الـ 35 القادمة بفضل التقدم المحرز في مجال الرعاية الصحية، مما أسفر عنه تراجع معدل وفيات الرضع والأمهات.

وإذا نظرنا إلى ما وراء المعدلات والمتوسطات وإلى سكان البلدان والمناطق، سوف تزداد دقة الصورة وتبدو أكثر وضوحًا، وسرعان ما تأخذنا إلى ما هو أبعد من الأرقام.

إذ تشير التفاوتات الصارخة في متوسط العمر المتوقع إلى عدم التكافؤ في الحصول على الرعاية الصحية والفرص والموارد وإلى التباين المجحف في توزيع الأعباء الناجمة عن العنف والنزاعات والفقر واعتلال الصحة.

وتختلف معدلات المواليد من بلد إلى آخر. فبينما تتسارع وتيرة نمو بعض السكان، يبدأ البعض الآخر في الانكماش. غير أن الأسباب الكامنة وراء هذه الاتجاهات، أياً كانت الطريقة التي تشير إليها، هي محدودية الخيارات السائدة على نطاق واسع. كما أن التمييز والفقر والأزمات - فضلا عن السياسات القسرية التي تنتهك الحقوق الإنجابية للنساء والفتيات - تضع الرعاية والمعلومات ذات الصلة بالصحة الجنسية والإنجابية، ومنها ما يتعلق بوسائل تنظيم الأسرة والتثقيف الجنسي، بعيدا عن متناول الكثير جدا من الناس.

إننا، بوصفنا مجتمعًا عالميًا، نواجه تحديات خطيرة، ومنها تفاقم الأثار الناجمة عن تغير المناخ، والصراعات الجارية، والنزوح القسري. ومن أجل التصدي لهذه التحديات، فنحن بحاجة إلى بلدان ومجتمعات مرنة، قادرة على التكيف والصمود. وهذا يعني الاستثمار في الموارد البشرية وجعل مجتمعاتنا شاملة للجميع، حتى يحصل كل فرد فيها على نوعية الحياة التي تتيح له الازدهار في عالمنا المتغير.

ولبناء المرونة والقدرة على التكيف الديموغرافي، علينا أن نستثمر في تحسين الهياكل الأساسية، والتعليم، والرعاية الصحية، وأن نكفل حصول الجميع على الخدمات الصحية والحقوق الجنسية والإنجابية. ويتعين علينا أن نزيل بصورة منهجية الحواجز - القائمة على النوع الاجتماعي أو العرق أو الإعاقة أو التوجه الجنسي أو وضع الهجرة - التي تحول دون وصول الأشخاص إلى الخدمات والفرص التي يحتاجون إليها للازدهار والتطور.

نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في نماذج النمو الاقتصادي والتنمية التي أدت إلى الاستهلاك المفرط وتأجيج العنف، والاستغلال، والتدهور البيئي وتغير المناخ، وعلينا أن نضمن امتلاك البلدان الأشد فقرا - والتي لم تتسبب في خلق هذه المشاكل، ومع ذلك، فإنها تتحمل العبء الأكبر لتداعياتها - الموارد اللازمة لبناء مرونة ورفاه سكانها المتزايدين.

كما أننا بحاجة إلى فهم الاتجاهات الديموغرافية وتوقعها، حتى تتمكن الحكومات من وضع سياسات مستنيرة وتخصيص الموارد اللازمة لتزويد سكانها بالمهارات والأدوات والفرص التي يحتاجون إليها.

ولكن في حين أن الاتجاهات الديموغرافية يمكنها أن تساعد في توجيه خيارات السياسات التي نتخذها كمجتمعات، فهناك خيارات أخرى - بما في ذلك ما إذا كان يجب إنجاب الأطفال ومتى - لا يمكن لهذه السياسات أن تمليها، لأنها ترجع إلى كل فرد على حدة.

إن هذا الحق في الاستقلال الجسدي هو بمثابة حجر الزاوية الذي يرتكز عليه كامل نطاق حقوقنا الإنسانية، كما أنه يشكل أساسًا لقيام مجتمعات مرنة قادرة على الصمود وشاملة للجميع، تتمتع بالازدهار والتطور، ومن ثم، يمكنها مواجهة تحديات عالمنا. عندما تكون أجسادنا ومستقبلنا ملك لنا، فنحن إذن #8مليارات_أقوياء_معًا .