بداية جديدة وسط الألم
عندما وصلت ربيعة إلى مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، لم تكن تدرك أن رحلتها ستأخذ منعطفًا يغير حياتها إلى الأبد. فقد هربت مع زوجها من نيران الحرب في درعا جنوب سوريا، بحثًا عن الأمان. ومع أن المخيم وفر لهم ملاذًا آمنًا، إلا أن تحديات جديدة بدأت تواجهها، غيرت حياتها وشخصيتها بالكامل.
تتذكر ربيعة الأيام الأولى في المخيم قائلة: "نمنا عند وصولنا لأول مرة لفترة طويلة. كنا مرهقين جدًا بسبب ليالٍ طويلة من الخوف قضيناها تحت وابل القذائف والرصاص." لكن سرعان ما واجهت تحديًا جديدًا تمثل في واقع أنها أصبحت "لاجئة"، وهو الأمر الذي لم يكن سهلاً عليها. ومع مرور الوقت، بدأت علاقتها بزوجها تتغير، حيث بدأ يشعرها بأنها ناقصة لأنها لم تنجب أطفالًا، ما زاد من الضغوط النفسية التي كانت تعانيها أصلاً.
لم تكن ربيعة تعرف كيف تتعامل مع هذا الوضع الجديد، فعلى الرغم من وجود أهلها في المخيم، إلا أنها شعرت بالعزلة. "لم أكن أعرف ما الذي ينبغي أن أفعله. كنت أظن أن المرأة يجب أن تطيع زوجها بلا نقاش،" تقول ربيعة بأسى. حاولت جاهدة أن ترضي زوجها وخضعت للعديد من الفحوصات الطبية لمحاولة الإنجاب، لكن المحاولة لم تنجح.
اكتشاف الذات وبداية التحول
رغم الصعوبات الكبيرة والتحديات، لم تستسلم ربيعة لليأس، بل بدأت تبحث عن طريقة لتغيير حياتها. وكانت حينها تتواصل مع جاراتها اللواتي أخبرنها عن جلسات التوعية والدعم النفسي التي يقدمها صندوق الأمم المتحدة للسكان في المخيم. شجعها كلامهن على حضور جلسات متخصصة في الدعم النفسي والاجتماعي، فوجدت نفسها تتعلم كيف تعزز ثقتها بنفسها وكيف تواجه التحديات بطريقة إيجابية.
لم يكن التحول في شخصية ربيعة سريعًا، لكنه كان مؤثرًا. فمن خلال حضورها هذه الجلسات تعلمت مهارات جديدة في التكيف وإدارة الضغوط النفسية، مما جعلها أكثر قدرة على اتخاذ قراراتها بطريقة أكثر حكمة وعقلانية. كما التحقت بعدة دورات تدريبية في مجالات الأشغال اليدوية، النجارة، والكهرباء، مما زاد من شعورها بالتمكين.
تقول ربيعة: "كانت الجلسات تراعي الخصوصية التامة، وتهدف إلى تعزيز ثقتي بنفسي." وفيما يتعلق بدورات النجارة والكهرباء تقول ربيعة: "لم أكن أتخيل أنني سأتمكن من تعلم النجارة أو تصليح الأعطال الكهربائية، لكنني الآن أمتلك مهارات جديدة تمكنني من مساعدة نفسي والآخرين."
من متدربة إلى مدربة
بعد اجتيازها الدورات التدريبية، حصلت ربيعة على فرصة عمل كمتطوعة في مركز المرأة والفتاة الذي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان ويديره معهد العناية بصحة الأسرة، كما أن شغفها بالتعلم جعلها تتقن مهارات أخرى، فبدأت بمساعدة جاراتها في إصلاح الأعطال الكهربائية داخل المخيم حتى أصبحت مصدر إلهام للكثير من النساء، بل بدأت بتدريبهن على أساسيات النجارة والتجارة، مما ساعدهن في تحقيق استقلاليتهن المالية.
تقول هنادي زلاطيمو، المشرفة في مركز المرأة والفتاة في مخيم الزعتري: "ربيعة عملت معنا كمتطوعة لمدة عشرة أشهر، وهي فترة استثنائية نتيجة لحماسها واجتهادها وقدرتها التي فاقت التوقعات. فهي لم تكن تساعد النساء الأخريات فقط، بل أصبحت مصدر إلهام للكثير منهن."
كل هذا التحول عزز من ثقة ربيعة بنفسها وانعكس بشكل إيجابي على حياتها الشخصية، فقد بدأت بإجراء أعمال صيانة لمنزلها بمساعدة زوجها، وهو ما أدى إلى تغيير واضح في العلاقة الزوجية. "كنت في الماضي خجولة وخائفة، لكنني الآن قادرة على مواجهة التحديات بثقة. حتى زوجي بدأ يحترمني أكثر، خاصة بعد أن أصبحت أساهم في مصاريف المنزل."
ربيعة: رمز القوة والتغيير
اليوم، تقف ربيعة شامخةً، ليس فقط لأنها تجاوزت الألم، بل لأنها أصبحت صوتًا لمن لا صوت لهن. تساعد النساء الأخريات، وتنقل إليهن المعرفة التي اكتسبتها، وتؤكد لهن أن القوة تبدأ من الداخل.
"أنا أعتبر نفسي قصة نجاح حيّة. كنت في السابق امرأة تتعرض للإساءة، لكنني أصبحت شخصًا آخر تمامًا،" تقول ربيعة بفخر.
عندما تعود ربيعة إلى وطنها، لن تكون نفس الإنسانة التي كانت عليها قبل اللجوء. ستعود امرأة قوية، قادرة على الدفاع عن حقوقها وحقوق الآخرين، وستمضي قدمًا في تحقيق أحلامها، مستندةً إلى دروس الحياة التي تعلمتها وسط أصعب الظروف.
وتستمر هذه الخدمات بمنحة كريمة من منظمة مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية الذي يدعم بدوره كل من العيادة، والأماكن الآمنة للنساء والفتيات في مخيم الزعتري.