Go Back Go Back
Go Back Go Back
Go Back Go Back

رحلة ميسون من المعاناة إلى تمكين النساء في مخيم الزعتري

رحلة ميسون من المعاناة إلى تمكين النساء في مخيم الزعتري

قصة

رحلة ميسون من المعاناة إلى تمكين النساء في مخيم الزعتري

calendar_today 11 مارس 2025

Mansoon (right) with the case manager at the WGSS
Mansoon (right) with the case manager at the WGSS

رحلة الفرار من الحرب

كان عمر ميسون 27 سنة حين فرت مع أطفالها الثلاثة، هربًا بحياتهم من عنف الاشتباكات المسلحة في بلدتها الواقعة في محافظة درعا، نحو الحدود الأردنية - السورية في شباط/ فبراير 2013. قطعت في هذه الرحلة الشاقة مسافة تزيد على 20 كيلومترًا على الأقدام تحت المطر والريح أحيانًا، وركوبًا في سيارات أحيانًا أخرى، قبل أن تصل إلى معبر جابر/ نصيب.

"عانينا كثيرًا حتى وصلنا إلى الحدود الأردنية، لكن صقيع شباط (أكثر أشهر السنة بردًا) كان أرحم كثيرًا من القصف،" تقول ميسون.

"سرنا يومًا كاملًا حتى وصلنا إلى الحدود الأردنية، حيث استقبلنا رجال الأمن العام الأردني ونقلونا إلى مخيم الزعتري،" تتابع ميسون. ومع مرور الوقت، بدأت حياتها تنتظم في المخيم، الذي يبعد نحو 30 كيلومترًا عن الحدود السورية – الأردنية أصبح بمقدور زوجها زيارتها وأطفاله بإجازاتٍ يعود بعدها إلى المخيم الذي استقر فيه.

لكنّ الحياة في المخيم لم تكن سهلة في البداية إضافةً إلى مشكلات اللجوء والبعد عن الوطن والأهل، كانت ميسون خجولةً للغاية "كنت انطوائيةً، أخجل إذا كلمني أحد لم أكن أعرف كيف أردّ، وكانت شخصيتي ضعيفةً جداً،" تقول ميسون، وابتسامة خجلٍ ترتسم على ملامحها وكأنَّ اللجوء وحده لم يكن كافيًا، فقد كان زوجها يسيء معاملتها خلال زياراته، بل إنَّ عنفه ازداد تجاهها زاد “لا أدري ما الذي حصل، لكن يده أصبحت تمتد ليضربني أحيانًا،" تضيف بحزنٍ.

رحلة ميسون في بناء ذاتها

تغير هذا الواقع بعد أن حضرت ميسون جلسة توعيةٍ نظمها معهد العناية بصحة الأسرة في المساحة الآمنة للسيدات والفتيات، التابع لمؤسسة نور الحسين، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان والاتحاد الأوروبي، الجلسة التي حضرتها بدافع الفضول، كانت البداية فقط؛ فقد وجدت نفسها لاحقًا تشارك في جلسات التوعية الفردية، التي عرفت عنها عبر متطوعين من سكان المخيم.

تدريجيًا، بدأت ميسون في بناء شخصيتها الجديدة، ولم تكتفِ بذلك، بل أصبحت تعمل كناشطة اجتماعيةٍ، تثقف نساء المخيم وفتياته حول مواضيع متنوعة، مثل أهمية الحصول على اللقاحات ومحو الأمية والوقاية من الأمراض والإسعافات الأولية "أنا أقيم جلسات توعية للنساء الآن حول اللقاحات، والسل، ومحو الأمية، ومواضيع أخرى لزيادة وعيهن ووقف العنف ضدهن،" تقول ميسون، بثقةٍ لم تكن تعرفها من قبل.

حين تصبح المرأة قادرةً على مواجهة العنف

ساعدت النشاطات الحصرية للنساء التي تُنظَّم في المساحة الآمنة، مثل التدريب على النجارة، والكهرباء، وكرة القدم، وتمارين الزومبا، في تعزيز شخصيات الكثير من النساء، ومن بينهن ميسون. "لم أتصور أبدًا أنني سأشارك في مباريات كرة القدم أو تمارين الزومبا،" تعلّق ضاحكةً. "لكن غياب الرجال عن هذه النشاطات، ومشاركة النساء والفتيات فيها، عزّز ثقتنا بأنفسنا ومكنتنا من التحرر من سطوة الرجل."

لكنَّ الأمر لم يكن بهذه السهولة، فزوجها الذي تعوّد السيطرة عليها، لم يكن ليتقبل هذا التغيير بسلاسة وتقول، والدموع تترقرق في عينيها: "كان يضربني أحيانًا ويتحكم بي ماديًا إلى حدٍّ لا يُطاق. رفعت دعوى طلاقٍ ضده، ولم أعد أسمح له بأن يسيء إليّ." لم تعد ميسون تلك المرأة الضعيفة التي تخشى المواجهة؛ الآن، هي قادرةٌ على الدفاع عن نفسها.

وتعتبر المساحات الآمنة للسيدات والفتيات أحد برامج صندوق الأمم المتحدة للسكان وهي أماكن لتوفير الفرص وتبادل المعلومات والتواصل والتوعية وتقديم الدعم للنساء، وتوفر هذه المساحات مساحة آمنة لخدمات النساء والفتيات اللاتي يحتجن إلى الدعم النفسي والاجتماعي نتيجة تعرضهن للصدمات، وفقدان العائلة والممتلكات، والظروف السيئة التي أصبحن فيها، وسوء المعاملة، والتعرض للعنف الأسري وغيره. وبهذه الطريقة.

وقد أسهمت برامج صندوق الأمم المتحدة للسكان في تعزيز استقلال ميسون المادي عبر تقديم دعمٍ ماليٍّ يهدف إلى التخفيف من الأعباء المالية الملقاة على عاتقها، مما مكّنها من مواجهة أية إساءةٍ تتعرض لها من زوجها. وهي لم تكتفِ بذلك، بل دفعت ابنتها المتزوجة، البالغة من العمر 25 عامًا، إلى حضور جلسات التوعية بعد أن تعرضت هي الأخرى للتعنيف.

من ضحيةٍ إلى قائدةٍ في مجتمعها

تقول هنادي زلاطيمو، مديرة حالة في المساحة الآمنة للنساء والفتيات: "ميسون، التي عانت ويلات الحرب، وقسوة اللجوء، وإساءة الزوج في مجتمعٍ اعتاد على ذلك، تحوّلت اليوم إلى امرأةٍ مستقلةٍ قوية تغلبت على مشاكلها ونمّت شخصيتها وحصّنت أمنها وسلامتها."

"أشعر اليوم أنني إنسانةٌ قوية. أوجّه النساء الأخريات، اللواتي يشكرنني على الدعم والمعلومات والتوعية التي أقدمها لهن،" تصرّح ميسون بفخرٍ. "أصبحت هذه الثقة بالنفس جزءًا من مسؤوليتي الإنسانية تجاه نساء المخيم لا أريد أن أرى النساء الأخريات يعانين مما عانيته، لا أريد لهن أن يتعرضن للإساءة."

قالت ميسون وابتسامة عريضة ترتسم على وجهها: "لقد تحوّل الخجل وضعف الشخصية إلى ثقةٍ عالية بالنفس لم أعد أشعر بأنني عبءٌ على المجتمع، بل أصبحت عاملًا فاعلًا في تغيير حياة العديد من النساء نحو الأفضل."وتضيف: "ما زال أمامنا الكثير من العمل والجهد، لكننا بدأنا السير على طريق التغيير، بخطواتٍ ثابتة، وهذا ما سأفعله حين أعود إلى بلدي."

وتستمر هذه الخدمات بمنحة كريمة من منظمة مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية الذي يدعم بدوره كل من العيادة، والأماكن الآمنة للنساء والفتيات في مخيم الزعتري.